أبو بصلة...

”أحبّ أكل البصل”هذا هو شعاره دائما، وقد جعلت زوجته من البصل الطبق الرئيسي رغم أنه الطبق الوحيد، فالبصل أرخص الخضراوات في السّوق، وهو -إذن- المخرج الوحيد الذي يجده، شعاره يخبئ حقيقة عجزه عن شراء مستلزمات المنزل من الخضر الأخرى. حتى زوجته التي ظلت تداوم على استفساره عن سبب هوسه الكبير بالبصل، وظلت تتذمر من عيشة البصل المقرفة هاته، لم تكن تسمع منه سوى: “أحب أكل البصل”، وهي عبارة ليست مجرد كلام ينطق به عن الهوى، بل لها أكثر من معنى.. فالبصل أفضل حل لمشكلاته الاقتصادية والاجتماعية، فإن سئل عن أفضل الوجبات يجيب على الفور:” أحب أكل البصل”. وكلما سئل عن دواء لمرض معين أجاب: “البصل أفضل دواء، و أنا شخصيا أحبّ أكل البصل”، ونتيجة لذلك ارتبطت صورته وحضوره في أي مكان بالبصل، وأضحى يلقّب “أبو بصلة”..
في يوم استيقظ فيه أبو بصلة على رائحة البصل، وهي كالمسك بالنسبة له، اتجه إلى المطبخ الفارغ إلا من أوراق البصل المتناثرة وأكياس البصل المملوءة، فوقها لوحة كتب عليها “أحب أكل البصل”. قصد الكيس والتقط منه بعض حبات البصل ليفطر بها ثم توجّه إلى عمله، لم يمكث غير وقت قصير حتى دارت به الدنيا وتزلزلت أحشاؤه، وشعر كأنّ سكاكين تعمل في أمعائه. هرول إلى الحمّام ليفرغ ما بأحشائه، أخذ يتقيّأ حتى لم يعد يسمع غير صوت مصارينه، ولماّ أحسّ بحالته قد بدأت تتحسّن قليلا، أسرع مباشرة إلى الطبيب الذي فحصه و منع عليه أكل البصل نهائيا.
كان هذا الخبر بالنسبة لعائلته بشرى خير تنبئ بحلول زمن جديد ، لكنّها مثل الصاعقة بالنسبة له، تحذره من زوال زمن البصل وحلاوة البصل.. تعرض أبو بصلة لنكسة كبيرة، ومنذ ذلك اليوم لم يعرف البصل طريقا لمنزله، وكان كلما تحدث له شخص عن البصل إلاّ تجهّم وجهه واربدّ لونه وصاح:
” أكره أكل البصل”…
لطيفة العمراني/ قاصّة من قلعة امكونة